بستان الدموع

*** بستان الدموع ***

" نفسى حزينة جدا حتى الموت " مت 26 : 38

ان المسبيين من اليهود فى بابل فى اوقات حزنهم علقوا اعوادهم على اشجار الصفصاف على انهار بابل وجلسوا تحتها يندبون صهيون " مز 137 "

وعلى هذا المنوال اختار السيد المسيح بستان زيتون جثسيمانى ليكون حزنه واكتئابه فيه ,

واختياره بستان زيتون لانه مر

اشارة الى

الامه ~

ولان الحمامة بشرت نوحا بزوال الخطر عن الارض بورقة زيتون ,

والبشرية اخذت خبر الخلاص من خطر الموت من بستان الزيتون ...

ففى هذا البستان الذى هرب اليه داود من وجه ابنه ابشالوم والذى ذرى فيه يوشيا الملك الصالح غبار مذابح الاصنام , كان سيدنا منحصرا فى حزن وضيقة شديدة حتى باح بذلك لتلاميذه وقال لهم " نفسى حزينة جدا حتى الموت " ...

كلمة تستدر الدمع من عين كل محب ولا ريب , فأنها اثرت فى نفوس التلاميذ حتى جعلتهم يتمنون لو يقدمون ذواتهم ضحية لانقاذ سيدهم مما يلم به ...

تعالى بنا

لندخل البستان ونتأمل فى ذلك المنظر ,

فأننا لا نجده مفرحا بل محزنا ..

هناك تقع عيوننا على مشهد يجرح القلب ويذيب الفؤاد , هناك نبصر " ادم الجديد " فى البستان يعمل لا لكى ينعم , كما كان ادم فى جنة عدن , بل يجاهد ليحصل على الخلاص للبشر ...

فما اعظم الفرق بين هذين البستانين ,

الاول توفرت فيه كل اسباب الراحة والسرور , والثانى افعم بعلامات الحزن والكأبة ..

بستان خصب وبستان مجدب ,

بستان يستريح فيه المخلوق وبستان يتعب فيه الخالق ...

ان حزن النفس نوعان

احدهما من الام الجسد , والاخر من الام الفكر ..

وقد تكبد يسوع كلهما فكان يتوقع لجسده اقسى الالام , كما عانى فى تلك الليلة كل صنوف العذاب الفكرى ...

هناك مشهد عظيم , قال لتلاميذه " امكثوا ههنا واسهروا معى " ثم تقدم وخر على وجهه يصلى قائلا " ياابتاه ان امكن فلتعبر عنى هذه الكأس , لكن ليس كما اريد بل كما تريد انت " ...

فياله من عمل بديع يعلمنا اقصى درجات التواضع , وياله من امر جليل يرسم لنا كيفية الصلاة , وياله من موقف عالج فيه بالطاعة جروح العصيان , وياله من منظر مؤثر يحرك الجماد وهو لا يتأثر بمرور الايام والازمان ..

ان ابن الله المساوى لابيه فى الجوهر يرى طريحا على الارض .. ذاك الذى هو فى الحضن الابوى يشكو من ان نفسه حزينة جدا . ان الاله المسجود له من جميع القوات السمائية يجثو ويركع ! ...

من يلمح هذا المشهد ولا يتأثر ؟؟

من يرى العظيم يتواضع والرفيع يجثو ولا ينكسر قلبه ؟؟

ياللحب العظيم المفرط الذى جعل ابن الله يترك نفسه , تسكب فى الهوان الى هذا الحد ! ...

تألم فاتجه بقلبه نحو الصلاة الى ابيه ليعلمنا ان الصلاة هى سلاح المؤمن المحارب الذى يسمع طلبات الاخرين ويقبل توسلاتهم ..

اخذ يسوع يصلى بحرارة ففى ضيقك ايها المؤمن تشجع بالصلاة .. هو صلى لكى يعين المصلين , صلى لكى تعبر عنه الساعة ان امكن ...

وكيف ذلك ؟؟؟؟

اتى ليموت ... فكيف يريد التخلص من الموت ؟؟؟

لقد جاء الى الصليب فكيف يرغب ان يفلت منه ؟؟؟

لم يصل هكذا لم تشبه بنا فى كل شئ .. لقد اعطانا نموذجا حسنا نتصرف به فى ضيقاتنا .. فهو اذا لم يطلب ان يتنجى بل اراد بذلك ان يعلمنا درسا هاما وهو القائل

" ليس احد يأخذها منى بل اضعها انا من ذاتى . لى سلطان ان اضعها ولى سلطان ان اخذها ايضا " ...

تقدم المخلص اليهم بالنصيحة قائلا

" اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة " ..

حتى وهو فى شدته لم ينس ان يهب الخير للآخرين ,

فما اعظم شفقتك يايسوع , وما اسمى رغبتك فى خلاص البشر , فلنسمع نصيحة المخلص فى ليلة الامه " صلوا لئلا تدخلوا فى تجربة "

ان السهر يحفظنا مصلين والصلاة تحفظنا ساهرين اذا اشتدت التجربة فلنشكر الله لانها لا تأتى الا ليقابلها الانسان بالصلاة , فيسود عليها ويسحقها تحت قديمه ويفرح بالنصرة ....

فكم من كثيرين يتغافلون بهذا المقدار من خلاص نفوسهم وينطرحون على فراش الاهمال , والله ينبهم بطرق مختلفة وهم لا ينتبهون ..

فبينما يهتم يسوع بخلاص الانسان , يكون الانسان متكاسلا ..

. فما اعظم شفقتك يايسوع لانك تطيل على اناتك وانا غافل ساه ,

فأيقظنى ياربى ولا تدعنى اغلب من نوم اباطيل هذا العالم .

مكتوب من كتاب :
يسوع المصلوب
زيزى جاسبرجر